هو طلب الإقبال بحرف
من حروف النداء نائبا مناب "أقبل" وأدواته ثمانية هي:
الهمزة-أي-يا-أيا-هيا-آ-أي-وا.
وهذه الأدوات نوعان:
ما ينادى به القريب وهو: الهمزة وأي، وما ينادى به البعيد وهو بقية الأدوات. ويغلب
على النداء أن يليه أمر أو نهي ويندر أن يليه إسناد استفهامي أو خبري.
§
الأمـر:
كقوله تعالى: ﴿يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدَ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾([1]).
§
النهـي:
نحو قوله تعالى: ﴿يـأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلآ أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ
اللَّهِ﴾([2]).
§
الاستفهـام:
كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ﴾([3]).
المعاني البلاغية للنداء
قد يؤدي النداء معاني
أخرى تستفاد من السياق:
o تنزيل البعيد منزلة القريب:
ومن ذلك قول أبي فراس الحمداني: [المتقارب]
أَسَيفَ الهُدى وَقَريعَ العَرَبْ
وَما بالُ كُتبِك قَد أَصبَحَت |
إلامَ الجَفاءُ وَفيمَ الغَضَبْ
تَنَكَّبُني مَعَ هَذا النَكَب([5]) |
أَسُكّانَ نَعْمانِ الأَراكِ تَيَقَّنوا
|
بِأَنَّكُمُ في رَبْعِ قَلَبِيَ سُكّانُ
|
فقد ناداهم
بالهمزة وهي موضوعة للقريب حتى يبين أنهم قريبون منه، لا يبرحون خياله.
يا مَن يرَجَّى للشدائد كلِّها
|
يا من إليه المُشْتَكَى والمَفْزَعُ
|
أو لانحطاطه: كقول الشاعر: [الطويل]
أولَئِكَ آبائي فَجِئْنِي بِمِثلِهِمْ
|
إِذا جَمَعَتنا يا جَريرُ المَجَامِعُ
|
§
التعجب: ومن ذلك قول الفرزدق: [الطويل]
فَيا عَجَباً حَتّى كُلَيبٌ تَسُبُّني
|
وقول الآخر: [الطويل]
فواعَجباً كيف اتفقْنا فناصحٌ
|
وقول امرئ القيس: [الطويل]
فَيا لَكَ مِن لَيلٍ كَأَنَّ نُجومَهُ
|
بِكُلِّ مُغارِ الفَتلِ شُدَّت بِيَذْبُل
|
§
الاستعانة: نحو قولك: "يا الله" أي؛ "أقبل
لإغاثتي". ومنه قول الشاعر: [المديد]
يا لَقومي ويا لَأَمثال قومي
|
لأناس عُتوّهمْ في ازدياد
|
§
الندبة: وهي نداء المتوجع منه أو المتفجع عليه. ومنه قول المتنبي: [البسيط]
واحَرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِمُ
|
§
الإغراء: وهو الحث على طلب الأمر الذي ينادى له. كقولك لمن يتظلم: "يا مظلوم
تكلم" وأنت تريد بهذا النداء حثه على بث الشكوى وإظهار التظلم. وقولك للمتردد
في الإقدام: "يا شجاع تقدم"، تريد حثه على ذلك.
§
الاختصاص: وهو تخصيص حكم علق بضمير باسم ظاهر. صورته صورة المنادى أو المعرف بأل أو
بالإضافة أو بالعلمية. ومن ذلك قول الرسول r «اغفر اللهم لنا-أيتها العصابة-» أي؛ اغفر لنا متخصصين
من بين العصائب.
ومثال الاختصاص المعرف بأل: "نحن-العرب-أسخى من بذل"، والمعرف
بالإضافة مثاله: قوله r: (نحن-معاشر الأنبياء-لا
نورث).
وبالعلمية: مثاله قول رؤبة بن العجاج: [الرجز]
بِنَا
تَمِيمًا يَكْشِفُ الضَبابُ
§
التحسر: وذلك عند نداء الأطلال والأموات وغيرها كالويل والحسرة. ومن ذلك قول الله
تعالى: ﴿وَيَقُولُ
الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا﴾([11]).
وقوله تعالى: ﴿يَا
وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً﴾([12]).
ومن ذلك قول الشاعر: [الطويل]
أيا قَبرَ مَعْنٍ كنتَ أَوَّلَ حُفرَةٍ
وَيا قَبرَ مَعنٍ كَيفَ وارَيتَ جودَهُ |
مِنَ الأَرضِ خُطَّتِ لِلسَّماحَةِ مَضجَعا
وَلَو كَانَ حَيّاً ضِقتَ حَتّى تَصَدّعا |
وقول النابغة الدبياني: [البسيط]
يا دارَ مَيَّةَ بِالعَلياءِ فَالسَنَدِ
|
تبادل
الخبر والإنشاء
·
حلول الخبر محل الإنشاء:
يحل الخبر محل الإنشاء في بعض الأساليب التي يكون ظاهرها خبرا وهي في
الحقيقة إنشاء. ففي قولنا: "رحم الله فلانا" أو "وفقك الله"
أو "جنبك الله الشبهة وعصمك من الخطأ". فإن هذه الأساليب أخبار في
ظاهرها تحتمل الصدق والكذب، إلا أن تأملها يفيد أنها أدعية مصوغة بصيغة الإخبار،
وأصلها: "اللهم ارحم فلانا"، "اللهم وفق فلانا"، "اللهم
جنبه الشبهة واعصمه من الخطأ".
ولأن هذه الصيغ صيغ أمر حملت معنى الدعاء، فقد أدرجها البلاغيون في أقسام
الإنشاء الطلبي.
· حلول الإنشاء
محل الخبر:
كما أن الإنشاء قد يحل محل الخبر في أساليب يكون ظاهرها إنشاء وحقيقتها
خبرا. ومن ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ
وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾([14]).
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿قَالَ
إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ
دُونِهِ﴾([15]).
ففي الآية الأولى عطف
فعل الأمر "أقيموا"-وهو إنشاء-على جملة خبرية "أمر ربي"
والمعنى في الحقيقة: قل أمر ربي بالقسط وإقامة وجوهكم عند كل مسجد.
وبدأت الآية الثانية
بالصيغة الخبرية "إني أشهد" ثم عطف عليها "اشهدوا" وهو إنشاء،
والمعنى في الحقيقة: إني أشهد الله وأشهدكم أني برئ مما تشركون من دونه.
([6])- ابن حيوس (473هـ) محمد بن
سلطان بن محمد بن حيوس، الغنوي، من قبيلة غني بن أعصر، من قيس عيلان، الأمير أبو
الفتيان مصطفى الدولة. شاعر الشام في عصره، يلقب بالإمارة وكان أبوه من أمراء
العرب. ولد ونشأ بدمشق وتقرب من بعض الولاة والوزراء بمدائحه لهم وأكثر من مدح
أنوشتكين، وزير الفاطميين وله فيه أربعون قصيدة. ولما اختل أمر الفاطميين وعمت
الفتن بلاد الشام ضاعت أمواله ورقت حاله فرحل إلى حلب وانقطع إلى أصحابها بني
مرداس فمدحهم وعاش في ظلالهم إلى أن توفي بحلب.
([7])- أبو زيد السهيلي (581هـ). عبد
الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أبي الحسن بن حسين بن سعدون بن رضوان بن فتوح
الخثعمي السهيلي. من أهل مالقة، كان عالما بالقراءات والعربية وضروب الآداب مقدما
في الفهم والفطنة والذكاء فبعد صيته وجل قدره. له مؤلفات عدة منها: الروض الأنف في
شرح السيرة لابن إسحاق، والتعريف والإعلام بما أبهم في القرآن العزيز من الأسماء
والأعلام.
([13])- قال عبد القادر البغدادي في
الخزانة: قوله: "يا دار مية الخ" يريد يا أهل دار مية. وقيل: نادىالديار
لا أهلها، أسفا عليها وتشوقا إليها. وقال: أقوت ولم يقل أقويت، لأن من شأن العرب
أن يخاطبوا الشيء ثم يتركوه ويكنوا عنه. "العلياء" بالفتح والمد: المكان
المرتفع من الأرض. قال ابن السكيت: قال بالعلياء فجاء بالياء لأنه بناها على عليت
بالكسر. و"السند": سند الوادي في الجبل، وهو ارتفاعه حيث يسند فيه، أي:
يصعد. و"أقوت": خلت من أهلها. و"السالف": الماضي. و"الأمد":
الدهر. [خزانة الأدب: باب خواص الاسم].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق