السبت، 23 يوليو 2016

بلاغة الصورة : التشبيه



 
Ø                       المحور الأول: التشبيه:
     يقول الجرجاني في الأسرار: "اعلم أنّ الشيئين إذا شبه أحدهما بالآخر كل ذلك على ضربين:
·       أحدهما: أن يكون من جهة أمر بيِّن لا يحتاج إلى تأويل
·       والآخر: أن يكون الشبه محصلا بضرب من التأول.
فمثال الأول: تشبيه الشيء بالشيء من جهة الصورة والشكل، نحو أن يشبه الشيء إذا استدار بالكرة في وجه وبالحلقة في وجه آخر، وكالتشبيه من جهة اللون، كتشبيه الخدود بالورد، والشعر بالليل، والوجه بالنّهار...
ومثال الثاني: وهو الشبه الذي يحصل بضرب من التأول، كقولك "هذه حجة كالشمس في الظهور" وقد شبهت الحجة بالشمس من جهة ظهورها، كما شبه فيما مضى الشيء بالشيء من جهة ما أردت من لون أو صورة أو غيرهما، إلا أنك تعلم أنّ هذا التشبيه لا يتم لك، إلا بتأويل"[1]
والتأويل هنا أنّ حقيقة ظهور الشمس وليس بينك وبينها حجاب كالشيء يظهر لك وليس بينك وبينه حجاب.

إلا أن طريق التأويل يختلف ويتفاوت ضمنه القريب ومنه الدقيق الذي لا يسلم القياد بسهولة، وإنّما يحتاج استخراجه إلى "فضل روية ولطف فكرة"[2]
فالسّهل كأن يقال: ألفاظه كالماء في السلاسة.
والدقيق كأن يقال: هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها.
      ويقول السكاكي في مفتاح العلوم: "لا يخفى عليك أنّ التشبيه مستدع طريقين: مشبها ومشبها به، واشتراكا بينهما من وجه، وافتراقا من آخر، مثل أن يشتركا في الحقيقة، ويختلفا في الصفة أو بالعكس.
 فالأول : كالإنسانين إذا اختلفا صفة: طولا أو قصرا
والثاني كالطويلين: إذا اختلفا حقيقة: إنسانا وفرسا"[3]
ثم يضيف أن "تشبيه الشيء لا يكون إلا وصفا له بمشاركته المشبه به في أمر، والشيء لا يتصف بنفسه، كما أنّ عدم الاشتراك بين الشيئين في وجه من الوجوه يمنعك محاولة التشبيه بينهما، لرجوعه إلى طلب الوصف حيث لا وصف، وأنّ التشبيه لا يصار إليه إلا لغرض، وأنّ حاله تتفاوت بين القرب والبعد" [4]
    ونفهم من قولي الجرجاني والسكاكي أنّ التشبيه يقوم على مشاركة أمر لآخر في معنى من المعاني أو صفة من الصفات وافتراقهما في أخرى.
   ويكون الشبه على ضربين: فهو إمّا بيِّن لا يحتاج إلى تأويل، أو دقيق يحتاج إلى تأويل.
ولا يصح أن يتشابه الأمران في كل شيء. إذ  لا يعقل أن يشبه الشيء بنفسه، ولذلك كان لازما في التشبيه أن يكون هنالك مشبه ومشبه به وهما طرفان في التشبيه، ويشترط فيهما أن يشتركا في صفة أو أكثر وهي وجه الشبه، وأن تدل على هذه المشابهة أداة من أدوات التشبيه.
وبهذا تكون أركان التشبيه أربعة هي على التوالي:
أ‌-      المشبه
ب‌-  المشبه به
ت‌-  أداة التشبيه
ث‌-  وجه الشبه
ويجب أن تكون الصفة في المشبه به أقوى من المشبه.
 وقد اتفق البلاغيون على شرف قدره في فنِّ البلاغة لأنه يضاعف للمعاني "قواها في تحريك النفوس إلى المقصود بها مدحا كانت أو ذما أو افتخارا، أو غير ذلك"[5]
1.   طرفا التشبيه:
     والمقصود بهما المشبه والمشبه به، وهما إما حسيين أو عقليين، أي أنهما يستندان إلى الحس أو العقل، أما الحس فالقصد منه أن يكون الطرفان محسوسسين كتشبيه الخد بالورد في المبصرات والنّكهة بالعنبر في المشمومات والجلد النّاعم بالحرير في الملموسات.
وأمّا العقل فكتشبيه العلم بالحياة.
ويمكن أن يكون المشبه معقولا والمشبه به محسوسا كتشبيه المنيّة بالأسد، أو أن يكون المشبه محسوسا والمشبه به معقولا كتشبيه العطر بخلق كريم.
2.    وجه الشبه:
     ويكون إمّا مفردا أو متعدّدا أي بتعبير القزويني والسكاكي : إمّا واحدا أو غير واحد.
والواحد: إما حسي أو عقلي.
 وغير الواحد: إمّا بمنزلة الواحد لكونه مركبا من أمرين أو أمور، أو متعدد غير مركب.
والمركب: إمّا حسي أو عقلي.
والمتعدد: إمّا حسي أو عقلي أو مختلف. (الإيضاح: 172)
والحسي لا يكون طرفاه إلا حسيين، يقول السكاكي: " ولا بد للحسي من أن يكون طرفاه حسيين لامتناع إدراك الحسّ من غير المحسوس"[6]
والعقلي: يكون طرفاه: إمّا عقليين أو حسيين أو مختلفين لجواز أن يدرك بالعقل من الحس شيء، قال القزويني: "ويمكن أن يقال بكونه حسيّا أن تكون أفراده مدركة بالحسِّ كالسواد فإنّ أفراده مدركة بالبصر"[7]
-         مثال : الحسيين: تشبيه الخد بالوردة في الحمرة، وتشبيه النكهة بالعنبر في طيب الرائحة، والجلد النّاعم بالحرير في اللّين.
-         مثال : العقليين: كتشبيه العلم بالحياة في جهة الإدراك.
-         مثال: المختلفين: كتشبيه العلم بالنّور في الهداية.
      وقد يكون وجه الشبه غير واحد، لكنّه في حكم الواحد ويستند إلى الحسِّ "كالشمس إذا شبهتها بالمرآة في كف الأشل، في الهيأة الحاصلة التي تؤديها من الاستدارة مع الإشراق والحركة السريعة المتصلة"[8]
      كما قد يكون وجه الشبه مركبا: " كالمعينة الحاصلة من هُوِيٍّ أجرام مشرقة مستطيلة متناسبة المقدار متفرقة في جوانب شيء مظلم في قول بشّار:
     كأن مثار النّقع فوق رؤوسنا     وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه"[9]
     وقد علّق السكاكي على البيت بقوله: "فليس المراد من التشبيه تشبيه النّقع بالليل، ثم تشبيه السيوف بالكواكب، إنّما المراد تشبيه الهيئة الحاصلة من النقع الأسود، والسيوف البيض، متفرقات فيه، بالهيئة الحاصلة من الليل المظلم والكواكب المشرقة في جوانب فيه"[10]
ومن ذلك قول الشاعر:
     وكأن أجرام النجوم لوامعا     درر نثرن على بساط أزرق
علّق عليه السكاكي قائلا: "فليس المراد تشبيه النجوم بالدرر ثم تشبيه السماء بالبساط الأزرق، وإنّما المراد تشبيه الهيئة الحاصلة من النجوم البيض المتلألئة في جوانب من أديم السماء، الملقية قناعها عن الزرقة الصافية، بالهيئة الحاصلة من درر منثورة على بساط أزرق."[11]
وهذه النماذج من التشبيهات تسمى "تشبيه المركب بالمركب المذكور قبلها تشبيه المفرد بالمفرد"[12]
ومن تشبيه المفرد بالمفرد قول الشاعر:
     كأن قلوب الطير رطبا ويابسا     لدى وكرها العناب والحشف البالي
كما يكون وجه الشبه مستندا إلى العقل كتشبيه أعمال الكفّار بالسراب "في المنظر المطمع مع الخبر المؤيس"[13] في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[14] فقد شبه أعمال الكافر التي لا تقرن بالإيمان ويحسبها تنفعه بالسراب يظنه العطشان ماء "حتى إذا جاءه لم يجد ما رجاه، ووجه الشبه هنا منتزع من عدة أمور قرن بعضها إلى بعض، فقد روعي في الكافر فعل مخصوص، وهو حسبان الأعمال نافعة له، وأن تكون للأعمال صورة مخصوصة وهي كونها صالحة، وقد وعد الحق أصحاب الأعمال الصالحة بالجزاء عليها، لكن هؤلاء لا تقبل منهم لأنّها غير مقرونة بالإيمان بالله وملائكته ورسله، ولذلك فلن تفيدهم أعمالهم في عاقبة أمرهم فيجدون عكس ما أمَّلُوه والسر نفسه يقع للظمآن الذي يلاحق السراب فيجد عكس ما أمله، فشبّه الكفار وهم يأملون خيرا من أعمالهم بالعطشان وهو يأمل إطفاء عطشه من السراب.
   هناك فرق بين التشبيهات المجتمعة والتشبيه المركب، أمّا المجتمعة فلا تعدو أن تكون جمعا بين صنفين أو أكثر يمكن الاستغناء عن إحديهما أو تغيير ترتيبها دون أن يتغير المعنى، وأما المركب فيختل بإسقاط أمر ويتغير المعنى بتغيير ترتيبه.
ومن ذلك قولنا في المجتمعة: "زيد كالأسد بأسا، والسيف مضاء والبحر جودا" فلو قدم أحدهما عن الآخر، أو أسقط لم يتغير المعنى بخلاف المركب.
3.  أدوات التشبيه
وتنقسم إلى قسمين:
أ‌-       الأدوات الأصلية: وهي: الكاف، كأنّ، مثل، شبه
 ومثالها:
     العمر مثل الضيف أو     كالطيف ليس له إقامة
ومنها قول امرئ القيس:
     مكر مفر مقبل مدبر معا     كجلمود صخر حطه السير من عل
ب‌-  الأدوات الفرعية:
وهي: كل لفظ يؤدي معنى المشابهة، مثل: شابه، ماثل، حاكى، حسب، ظنّ، خال.[15]
ومثالها:
     والحقّ في يد عادل متصرِّم     كالسّيف ماثل حدّاه السّيّاف

4. أقسام التشبيه:
ينقسم التشبيه إلى عدة أقسام هي:
أ‌-      التشبيه التام:
وهو ما اجتمعت فيه الأركان الأربعة.
 ومنه قول شوقي:
     والنّفس كالطفل إن تهمله شبّ على     حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
ب‌- التشبيه المؤكد:
وهو ما حذفت أداته، وتأكيد التشبيه حاصل من ادعاء أنّ المشبه عين المشبه به، نحو قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}[16] أي أنّها ترى يوم ينفخ في الصور تمر مرّ السحاب، أي تسير في الهواء كسير السحاب.
 ومن ذلك قول المتنبي مادحا:
     أين أزمعت أيهذا الهمام     نحن نبت الربى وأنت الغمام
     كل عيش ما لم تطبه حِمام     كل شمس ما لم تكنها ظلام
والمعنى كل عيش لم تطبه وتؤنسه هو كالحِمام: أي الموت، وكل شمس لم تكنها فهي كالظلام.
والتشبيه المؤكد أبلغ من المرسل لأنّه يجعل المشبه عين المشبه به من غير أداة.
ت‌-  التشبيه المجمل
وهو ما حذف منه وجه الشبه، ومنه قول الشاعر:
     وكأن إيماض السيوف بوارق     وعجاج ضيلهم سحاب مظلم
والقصد بالإيماض هنا: اللمعان، وبالبوارق: البرق، وبالعجاج: الغبار، وفي البيت تشبيهان: تشبيه إيماض السيوف بالبرق في الظهور وسرعة الخفاء، وتشبيه عجاج الخيل بالسحاب المظلم في سوداءه، ووجه الشبه في كليهما محذوف.
ث‌-  التشبيه البليغ:
وهو ما حذف منه الأداة ووجه الشبه، وهو أعلى مراتب التشبيه في البلاغة وقوة المبالغة، لما فيه من ادعاء أنّ المشبه هو عين المشبه به وما فيه من إيجاز بحذف الأداة والوجه معا، ومن ذلك قوله تعالى: { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[17]
 وقول الشاعر:
     النشر مسك والوجوه دنا     نير وأطراف الأكف عنم
فالنشر الرائحة الطيبة، والعنم شجر له ثمر أحمر يشبه البنان المخضوب، وقد شبه النشر (وهو طيب الرائحة) بالمسك، والوجوه بالدنانير والأنامل المخصوبة بالعنم، وقد جمعت هذه التشبيهات بالإضافة إلى حذف الأداة وحذف وجه الشبه، وقد عمد الشاعر إلى المبالغة في ادعاء كون المشبه هو المشبه به نفسه، فأهمل الأداة الدّالة على أنّ الصفة أضعف في المشبه من المشبه به، كما أهمل ذكر وجه الشبه الدّال على اشتراك الطرفين في الصفة،  وترك المجال للمتلقي كي يشارك في اكتشاف وجه الشبه، وبما أن التشبيه المجمل هو الذي حذف منه وجه الشبه، والتشبه المؤكد هو الذي حذفت أداته، فإنّ التشبيه البليغ قد جمع بينهما بحذف الأداة والوجه معا.
ج‌-   التشبيه المرسل:
   وهو ما ذكرت فيه أداة التشبيه.
ومنه قول الشاعر:   
      وكأنّ أجرام النجوم لوامعا     دررا نثرن على بساط أزرق
وقول الآخر:
     أنا كالماء إن رضيت صفاء     وإذا ما سخطت كنت لهيبا
وقول ابن الرومي:
     فكأنّ لذة صوته ودبيبها     سِنًة تمشي في مفاصل نعَّس
فقد ذكرت أداة التشبيه في كل الأمثلة المقدمة، وكل تشبيه تذكر فيه الأداة يسمى مرسلا.
ح‌-   التشبيه المفصل
    وهو ما ذكر فيه وجه الشبه، أي عكس المجمل.
ومثاله قول الشاعر:
   كأنّ مثار النقع فوق رؤوسنا     وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
وقول الآخر:
     وأدهم كالغراب سواد لون   يطير مع الرياح ولا جناح

خ‌-   التشبيه المقلوب
   وهو تشبيه يوهم أنّ الشيء القاصر في الصفة عن نظيره زائد عليه في استحقاقها، فيجعل الأصل فرعا والفرع أصلا على جهة المبالغة.
ومن ذلك قول الشاعر:
      وبدا الصباح كأن غرته    وجه الخليفة حين يمتدح
فجعل وجه الخليفة كأنّه أشهر وأتم وأكمل في النور والضياء من الصباح، فحول الأصل (الصباح) فرعا، والفرع (وجه الخليفة) أصلا.
   قال الجرجاني معلِّقا: "فإنّ في الطريقة الأولى خلابة وشيئا من السحر، وهو كأنّه يستكثر للصباح أن يشبّه بوجه الخليفة، ويوهم أنّه قد احتشد له، واجتهد في طلب تشبيه يفخِّم به أمره، وجهته الساحرة أنه يوقع المبالغة في نفسك من حيث لا تشعر."[18]
والمعنى أن النور أظهر في الصباح بشكل أقوى من وجه الخليفة في الواقع، لكن قيام التشبيه على عكس الحقيقة يراد به شيء أكثر من استجلاء  وجه الشبه بين طرفين، وإيقاع المعنى على جهة المبالغة موقع القبول من النفس على جهة الادعاء بوضع الكلام موضع من يقيس على أصل متفق عليه، ويخبر عن أمر مسلم به ولا حاجة فيه إلى دعوى أو إنكار منكر.
ج‌-  التشبيه الضمني
وهو تشبيه لا يوضع فيه المشبه والمشبه به في صورة من صور التشبيه المعروفة بل يلمحان في التركيب.
ومن ذلك قول الشاعر:
     من يهن يسهل الهوان عليه        ما جرح بميت إيـــــلام
وقول آخر: 
   لا تنكري عطل الكريم من الغنى     فالسيل حرب للمكان العالي
فالكريم العاطل عن الغنى كالمكان العالي لا يستقر فيه الماء.
وخلاصة القول في أقسام التشبه أنّ:
-         التشبيه بالنسبة للأداة:
أ‌-       مرسل: ما ذكرت فيه أداة التشبيه.
ب‌-  مؤكد: ما حذفت منه أداة التشبيه.
-         التشبيه بالنسبة لوجه الشبه:
أ‌-       مفصل: ما ذكر فيه وجه الشبه.
ب‌- مجمل: ما حذف منه وجه الشبه.
-         التشبيه بالنسبة للوجه والأداة:
أ‌-       بليغ: ما حذف منه الوجه والأداة.
ب‌- تام: ما ذكر فيه الوجه والأداة.

5.   أغراض التشبيه:
     يقوم التشبيه على توضيح المعاني وتقريبها إلى الأذهان، وقد حصر البلاغيون أغراض التشبيه في جملة من المعاني الدائرة في مجملها على المشبه باعتباره محور هذا الفن، ومن هذه الأغراض:
1.       بيان حال المشبه:
 وذلك بتقريب صورته بوساطة الوصف واعتماد المشابهة [19]
فقد يكون المشبه مجهول الصفة فيتم تقريبها عن طريق المشبه به.
 ومن ذلك قول الشاعر:
     كأنّك شمس والملوك كواكب   إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
فالمشبه هو الممدوح والمشبه به هي الشمس، وشبه غيره بالكواكب، وقيمة الشمس بالمقارنة مع الكواكب عظيمة، لكن لما كان حال الممدوح وغيره من الملوك مجهولة، فقد أتى بالمشبه به أي: الشمس لبيان أن حال الممدوح مع غيره من الملوك كحال الشمس مع باقي الكواكب، إذا ظهرت لم يبد منهن كوكب، والمعنى أنّ الممدوح أيضا إذا ظهر لم يبد أمامه ملك من الملوك.
2.    بيان مقدار حال المشبه:
   بأن يكون المشبه معروف الصفة قبل التشبيه بصفة إجمالية، ثم يأتي التشبيه لبيان مقدارها من القوة والضعف والزيادة والنقصان، ومن ذلك قول الشاعر:
            فأصبحت من ليلى الغداة كقابض     على الماء خانته فروج الأصابع
فقد أفاد التشبيه مقدار حاله في علاقته بهذه الفتاة، إذ بلغ مبلغا كبيرا من الحرمان، ومنه قول المتنبي في وصف الأسد:
            ما قوبلت عيناه إلا ظننا     تحت الدجى نار الفريق حلولا
فالشاعر يصف عيني الأسد في الليل بأنهما محمرتان، ولبيان مقدار احمرارهما شبههما بنار لفريق من النّاس حلول، وفي هذا بيان لمقدار حال المشبه.
3.      تقرير حال المشبه
أي تثبيت حاله في النّفس، ويكون التقرير بتقوية شأن المشبه في النّفس لزيادة التأثير والإقناع، ومن ذلك قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ۚ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}[20] فعبادة الآلهة من دون الله لا تنفع في شيء، ولتقرير هذه الصفة جيء بشبيههم وهو باسط كفيه إلى الماء ليبلغ الماء فاه، فلن يستطيع ذلك لانبساط كفيه بحيث لا يستقر فيهما الماء ويخرج من بين الأصابع.
4.    بيان إمكان المشبه:
وذلك إذا كان المشبه من الأمور الغريبة التي يستبعد حصولها، فلا تزول الغرابة إلا بذكر شبه له.

ومنه قول الشاعر:
     فإن تفق الأنام وأنت منهم     فإنّ المسك بعض دم الغزال
فقد جعل الشاعر ممدوحه يفوق الأنام وهو منهم، وأثبت له صفة غريبة، وهي مباينته لجنسه وتفرده عنه، فكان في حاجة إلى إزالة الغرابة عن الصفة، فجاء بالشبيه وهو المسك وأصله من دم الغزال.
ومن ذلك قول البحتري:
          دان على أيدي العفاة وشاسع     عن كل ند في الندى وضريب
         كالبدر أفرط في العلو وضوؤه     للعصبة السارين جد قريب
فقد وصف الممدوح بصفتين متعارضتين: القرب والبعد. ولإزالة الغرابة والتناقض عن وصفه جاء بالشبيه في الوجود وهو القمر الذي يجمع بين بعد موقعه وقربه للسارين في الآن نفسه.
5.    تزيين المشبه:
ويراد به تشبيه صورة المشبه عن طريق تشبيهه بشيء حسن الصورة، وذلك في المدح والترغيب فيه.
ومن ذلك قول الشاعر:
               مددت يديك نحوهم احتفاء     كمدها إليهم بالهبات
فشبه امتداد يدي المصلوب والناس حوله، بمد ذراعيه بالعطاء للسائلين في حياته.
   ويلاحظ أنّ المشبه وهو الصلب أمر قبيح تنفر منه النفس لكن صورة من يمد يديه للناس بالعطايا والهبات قدمته في صورة أخرى أزالت قبحه.

6.    تقبيح المشبه:
عند إرادة الذم والتنفير منه، إذا كان قبيحا قبحا حقيقيا أو اعتباريا، فيؤتى بأقبح منه.
ومن ذلك قول الشاعر:
                  وإذا أشار محدثا فكأنّه     قرد يقهقه أو عجوز تلطم
   وتشبيهه بالقرد يقهقه أو بالعجوز تلطم أريد به الإمعان في تقبيح المشبه، لأنّ المشبه به مما تستكرهه النفوس.
 ومن ذلك قول ابن الرومي:
                ولحية سائلة منصبّة     شهباء تحكي ذنب المذبة
 وقد شبه لحية اختلط سوادها ببياضها بذنب المذبة التي يذب بها الذباب ويطرد، والغرض من هذا التشبيه هو السخرية من صاحب هذه اللحية وتقديمه في صورة بشعة.


[1] الجرجاني، أسرار البلاغة، ص 90-92.
[2] نفسه: ص93
[3] السكاكي، مفتاح العلوم، ص493
[4] الجرجاني، أسرار البلاغة، ص439
[5] الإيضاح، ص164
[6] مفتاح العلوم، ص 441
[7] القزويني، الإيضاح، ص173                                                                   
[8] مفتاح العلوم، ص 443
[9]القزويني، الإيضاح، ص174
[10] السكاكي، مفتاح العلوم، ص444
[11] السكاكي، مفتاح العلوم، ص 444
[12] نفسه، ص445
[13] نفسه، ص 445
[14] سورة النور، الآية 39
[15] عرفان مطرجي، الجامع لفنون اللغة العربية، طبعة: 1987، ص: 106
[16] سورة النمل، الآية 88
[17] سورة النور، الآية 35
[18] الجرجاني، أسرار البلاغة، ص223
[19]   الأزهر الزناد، دروس في البلاغة العربة، ص38
[20] سورة الرعد، الآية14

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق