السبت، 23 يوليو 2016

بلاغة الصورة ( تمـــــــــارين و حلـــــــــول ) رقم(4)



جامع القاضي عياض  
مسلك الدراسات العربية- مراكش
كلية اللغة العربية  - الفصل : الرابـــــــــع                                                                        
الأستاذ : أحمد قــادم                                                                                  
السنة الجامعية :2015م _ 2016م


                                                                                             





النص: 4
قد أجمع الجميع على أن الكناية أبلغ من الإفصاح و التعريض أوقع من التصريح و أن للإستعارة مزية و فضلا و أن المجاز أبدا أبلغ من الحقيقة ... اعلم أن سبيلك أولا أن تعلم أن ليست المزية التي تثبتها لهذه الأجناس على الكلام المتروك على ظاهره و المبالغة التي تدعي لها في أنفس المعاني التي يقصد المتكلم إليها بخبره و لكنها في طريق إثباته لها و تقريره إياها.
تفسير هذا : أن ليس المعنى إذ قلنا : (( إن الكناية أبلغ من التصريح )) أنك لما كنيت عن المعنى زدت في ذاته بل المعنى أنك زدت في إثباته فجعلته أبلغ و آكد و أشد . فليست المزية في قولهم (( جمّ الرماد )) أنه دل على قرى أكثر . بل أنك أثبت له القرى الكثير من وجه هو أبلغ و أوجبته إيجابا هو أشد و ادعيته دعوى أنت بها أنطق و بصحتها أوثق .
و كذلك ليست المزية التي تراها لقولك : (( رأيت أسدا )) على قولك رأيت رجلا لا يتميز عن الأسد في شجاعته و جرأته أنك قد أفدت بالأول زيادة في مساواته الأسد بل أفدت تأكيدا و تشديدا و قوة في إثباتك له هذه المساواة و في تقريرك لها . فليس تأثير الإستعارة إذا في ذات المعنى و حقيقته بل في إيجابه و الحكم به .
                                                                                  [دلائل الإعجاز ، عبد القاهر الجرجاني ، ص : 70 ــ 71 ]


التمرين 6 : حلل (ي) النص تحليلا بلاغيا
1) الطرح الإشكالي :
الكناية أبلغ من التصريح و المجاز أبلغ من الحقيقة ، و القصد هنا إلى إثبات المعنى و ليس المعنى بذاته . فكيف استأثرت الكناية و الإستعارة بهذه المزية ؟ و ما المقصود بالمزية في قول الجرجاني ؟ و ما هي الفروق البلاغية بين المعاني المجازية و المعاني الحقيقية ؟

المصطلح البلاغي :
الكناية : أن يريد المتكلم إثبات معنا من المعاني فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة و لكن يجيء إلى معنى هو تاليه و ردفه ، فيومئ  به إليه و يجعله دليلا عليه .
الإستعارة : أن تريد تشبيه الشيء بالشيء فتدع أن تفصح بالتشبيه و تظهره و تجيء إلى اسم مشبه به فتعيره المشبه و تجزيه عليه .
3) الشاهد البلاغي :
  3 ـ 1 ) الشاهد البلاغي الوارد : 
  ــ جم الرماد  :  (بمعنى الكريم ) 
  ــ رأيت أسدا :  (بمعنى شجاع )
من خلال هاذين الشاهدين يتضح اشتراك الكناية و الإستعارة في العبور من المعنى الظاهر إلى المعنى الخفي ، ففي قولنا (جمّ الرماد) يكون القصد إلى الكرم و ليس إلى ظاهر اللفظ ، لأن المرء لا يمدح بكثرة الرماد ، و إنما دلّت هذه العبارة على معنى آخر هو ردفها و لازمها كني عنه بكثرة الرماد .
و كذلك الشأن في قولنا : (رأيت أسدا) و القصد رأيت رجلا شجاعا ، فدلت العبارة بعد استيفاء القرينة على معنى آخر هو لازم المعنى الأول ، وقد أفاد هذان الشاهدان الجرجاني في التدليل على النتيجة التي صدر بها هذا النص و هي أن المجاز دائما أبلغ من الحقيقة .
  3 ـ 2 )المثل الداعم :
و للتمثيل على ذلك نورد نماذج من الكنايات و الإستعارات الدالة على أن المجاز أبلغ من الحقيقة :
 ــ نؤوم الضحى  : (تعيش في الترف و لها من يخدمها)
 ــ جبان الكلب : ( شخص كريم )
 ــ طويلة مهوى القوط  : (امرأة طويلة العنق )
يلاحظ في هذه الكنايات أن المعنى فيها يتم العبور إليه من خلال المتلازمات . و قد كانت هنا أيضا أبلغ من التصريح لأنها بمثابة أدلة على المعاني المقصودة ، و يتضح من خلال استعراضنا لهذه الكنايات أهمية المحيط الثقافي في الخلوص إليها .
 و في مجال الإستعارة  نجد قول الشاعر :
   ــ و إذا المنية أنشبت أظفارها ؛
   ــ يد الشمال (يد  الريح )  ؛ فإن الإستعارة إما أن تقوم على إدعاء الشيء للشيء ليس له ، أو إدعاء الشيء الشيء ليس به ، و في كلتا الحالتين يكون التعبير أبلغ من الحقيقة ، كما يكون العبور من المعنى الأول إلى المعنى الثاني إثباتا للمعنى .
4) القضايا البلاغية :
أ) الكنـــاية و إثبات المعنى :
يرى الجرجاني أن الكناية أبلغ من التصريح ، و هذا الكلام لا يدل على المعنى في ذاته ؛ و معنى ذلك أننا عندما نقول فلان جم الرماد و نخلص إلى أن القول هو المقصود بالكرم ، فإن المزية لا تخلص في معنى الكرم ، و لكن في طريقة إثبات هذا المعنى ؛ أي لقد عبر عن المعنى بالطريقة التي هي أبلغ و آكد و أشد ، لأن الكناية في هذا الصدد تعد دليلا عليه ، و مزية القول الكِنائي أنه استدلال على إحراق الكثير من الحطب ، و كثرة الإحراق دليل على كثرة الطهي ، وكثرة الطهي دليل على كثرة القرى ، فاتضح أن هذه المتلازمات يدل بعضها على بعض ، و أنها سبيل إلى إثبات المعنى و ترسيخه و تقريره .
ب) الإستعــارة و مزية التعبير المجازي :
يرى الجرجاني أن قولنا رأيت أسدا له مزية على قولنا رأيت رجلا لا يتميز عن الأسد في شجاعته ، ذلك أن القول الأول أفاد تأكيدا و تشديدا و قوة في إثبات هذه المساواة بين الرجل و الأسد و في تقرير هذه الشجاعة ، و يفهم أن تأثير الإستعارة إذا ليس في ذات المعنى و لكن في طريقة إيجابه و الحكم به .
5) خلاصة تركيبية :
نفهم من خلال هذا النص أن الحقيقة لا تتعارض مع المجاز فكلاهما يبلغ المعنى ، لكن التفاوت حاصل في طريقة تبليغه ، و القول المجازي يكتسب مزية بالإضافة إلى ما يعبر عنه من معنى من خلال تضمنه للدليل على ذلك المعنى و هذا هو المقصود بالإثبات و التقرير و الإستدلال ، و عموما إن المجاز و الكناية من طرائق التعبير عن المعنى بالوسائل التي هي أصح لتأديته .   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق