جامع القاضي عياض
مسلك الدراسات العربية- مراكش
كلية اللغة العربية - الفصل :
الرابـــــــــع
الأستاذ : أحمد قــادم
السنة الجامعية :2015م _ 2016م
النص: 4
قد أجمع
الجميع على أن الكناية أبلغ من الإفصاح و التعريض أوقع من التصريح و أن للإستعارة
مزية و فضلا و أن المجاز أبدا أبلغ من الحقيقة ... اعلم أن سبيلك أولا أن تعلم أن
ليست المزية التي تثبتها لهذه الأجناس على الكلام المتروك على ظاهره و المبالغة
التي تدعي لها في أنفس المعاني التي يقصد المتكلم إليها بخبره و لكنها في طريق
إثباته لها و تقريره إياها.
تفسير
هذا : أن ليس المعنى إذ قلنا : (( إن
الكناية أبلغ من التصريح )) أنك لما كنيت عن المعنى زدت في ذاته بل المعنى أنك زدت في إثباته
فجعلته أبلغ و آكد و أشد . فليست المزية في قولهم (( جمّ الرماد )) أنه دل على قرى أكثر . بل أنك أثبت له القرى الكثير من وجه هو أبلغ و
أوجبته إيجابا هو أشد و ادعيته دعوى أنت بها أنطق و بصحتها أوثق .
و كذلك
ليست المزية التي تراها لقولك : (( رأيت أسدا )) على قولك رأيت رجلا لا يتميز عن الأسد في شجاعته و جرأته أنك قد أفدت
بالأول زيادة في مساواته الأسد بل أفدت تأكيدا و تشديدا و قوة في إثباتك له هذه
المساواة و في تقريرك لها . فليس تأثير الإستعارة إذا في ذات المعنى و حقيقته بل
في إيجابه و الحكم به .
[دلائل
الإعجاز ، عبد القاهر الجرجاني ، ص : 70 ــ 71 ]
التمرين 6 : حلل (ي) النص تحليلا بلاغيا
1) الطرح
الإشكالي :
الكناية أبلغ من
التصريح و المجاز أبلغ من الحقيقة ، و القصد هنا إلى إثبات المعنى و ليس المعنى
بذاته . فكيف استأثرت الكناية و الإستعارة بهذه المزية ؟ و ما المقصود بالمزية في
قول الجرجاني ؟ و ما هي الفروق البلاغية بين المعاني المجازية و المعاني الحقيقية
؟
المصطلح
البلاغي :
الكناية : أن يريد المتكلم إثبات معنا من المعاني فلا يذكره باللفظ الموضوع
له في اللغة و لكن يجيء إلى معنى هو تاليه و ردفه ، فيومئ به إليه و يجعله دليلا عليه .
الإستعارة : أن تريد تشبيه الشيء بالشيء فتدع أن تفصح بالتشبيه و تظهره و تجيء
إلى اسم مشبه به فتعيره المشبه و تجزيه عليه .
3)
الشاهد البلاغي :
3 ـ 1 ) الشاهد البلاغي الوارد :
ــ جم الرماد : (بمعنى
الكريم )
ــ رأيت أسدا : (بمعنى شجاع )
من خلال هاذين الشاهدين
يتضح اشتراك الكناية و الإستعارة في العبور من المعنى الظاهر إلى المعنى الخفي ،
ففي قولنا (جمّ الرماد) يكون القصد إلى الكرم و ليس إلى ظاهر اللفظ ، لأن المرء لا
يمدح بكثرة الرماد ، و إنما دلّت هذه العبارة على معنى آخر هو ردفها و لازمها كني
عنه بكثرة الرماد .
و كذلك الشأن في
قولنا : (رأيت أسدا) و القصد رأيت رجلا شجاعا ، فدلت العبارة بعد استيفاء القرينة
على معنى آخر هو لازم المعنى الأول ، وقد أفاد هذان الشاهدان الجرجاني في التدليل
على النتيجة التي صدر بها هذا النص و هي أن المجاز دائما أبلغ من الحقيقة .
3 ـ 2 )المثل الداعم :
و للتمثيل على ذلك
نورد نماذج من الكنايات و الإستعارات الدالة على أن المجاز أبلغ من الحقيقة :
ــ نؤوم الضحى : (تعيش في الترف و لها من
يخدمها)
ــ جبان الكلب : ( شخص كريم )
ــ طويلة مهوى القوط :
(امرأة طويلة العنق )
يلاحظ في هذه
الكنايات أن المعنى فيها يتم العبور إليه من خلال المتلازمات . و قد كانت هنا أيضا
أبلغ من التصريح لأنها بمثابة أدلة على المعاني المقصودة ، و يتضح من خلال
استعراضنا لهذه الكنايات أهمية المحيط الثقافي في الخلوص إليها .
و في مجال الإستعارة نجد قول الشاعر :
ــ و
إذا المنية أنشبت أظفارها ؛
ــ
يد الشمال (يد الريح ) ؛ فإن الإستعارة إما أن تقوم على إدعاء الشيء
للشيء ليس له ، أو إدعاء الشيء الشيء ليس به ، و في كلتا الحالتين يكون التعبير
أبلغ من الحقيقة ، كما يكون العبور من المعنى الأول إلى المعنى الثاني إثباتا
للمعنى .
4)
القضايا البلاغية :
أ) الكنـــاية
و إثبات المعنى :
يرى الجرجاني أن
الكناية أبلغ من التصريح ، و هذا الكلام لا يدل على المعنى في ذاته ؛ و معنى ذلك
أننا عندما نقول فلان جم الرماد و نخلص إلى أن القول هو المقصود بالكرم ، فإن
المزية لا تخلص في معنى الكرم ، و لكن في طريقة إثبات هذا المعنى ؛ أي لقد عبر عن
المعنى بالطريقة التي هي أبلغ و آكد و أشد ، لأن الكناية في هذا الصدد تعد دليلا
عليه ، و مزية القول الكِنائي أنه استدلال على إحراق الكثير من الحطب ، و كثرة
الإحراق دليل على كثرة الطهي ، وكثرة الطهي دليل على كثرة القرى ، فاتضح أن هذه
المتلازمات يدل بعضها على بعض ، و أنها سبيل إلى إثبات المعنى و ترسيخه و تقريره .
ب)
الإستعــارة و مزية التعبير المجازي :
يرى الجرجاني أن
قولنا رأيت أسدا له مزية على قولنا رأيت رجلا لا يتميز عن الأسد في شجاعته ، ذلك
أن القول الأول أفاد تأكيدا و تشديدا و قوة في إثبات هذه المساواة بين الرجل و
الأسد و في تقرير هذه الشجاعة ، و يفهم أن تأثير الإستعارة إذا ليس في ذات المعنى
و لكن في طريقة إيجابه و الحكم به .
5) خلاصة
تركيبية :
نفهم
من خلال هذا النص أن الحقيقة لا تتعارض مع المجاز فكلاهما يبلغ المعنى ، لكن
التفاوت حاصل في طريقة تبليغه ، و القول المجازي يكتسب مزية بالإضافة إلى ما يعبر
عنه من معنى من خلال تضمنه للدليل على ذلك المعنى و هذا هو المقصود بالإثبات و
التقرير و الإستدلال ، و عموما إن المجاز و الكناية من طرائق التعبير عن المعنى
بالوسائل التي هي أصح لتأديته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق