جامع القاضي عياض
مسلك الدراسات العربية-
الفصل : الرابـــــــــع
كلية اللغة العربية - مراكش
الأستاذ : أحمد قــادم
السنة الجامعية 2015-2016
النص : 3
يقول الجرجاني :
ولا يتخلّص لك الفصل
بين الباطل و بين المجاز ، حتى تعرف حدّ المجاز ، و حدُّه : أنَّ كلّ جملة أخرجتَ
الحكم المُفَادَ بها عن موضعه من العقل لضربٍ من التأول، فهي مجـاز .
و مثاله ما مضى من
قولهم : (( فَعَلَ الربيع )) ، و كما جاء في الخبر(( إٍنَّ
ممَّا يُنبِتُ الربيعُ ما يقْتلُ حَبَطًا أو يُلِمُّ )) ، قد
أثبت الإنبات للربيع ، و ذلك خارج عن موضعه من العقل ، لأن إثبات الفعل لغير
القادر لا يصحُّ في قضايا العقول ، ألاّ أنّ ذلك على سبيل التأوُّل، و على العُرف
الجاري بين الناس ، أن يجعلوا الشيء ، إذا كان سببا أو كالسبب في وجود الفعل من
فاعله ، كأنه فاعل . فلما أجرى الله سبحانه العادة و أنفذَ القضية أن تُورق
الأشجارُ ،و تظهر الأنوار ، و تلبس الأرض ثوب شبابها في زمان الربيع ، صار
يُتوهَّم في ظاهر الأمر و مجرى العادة ، كأنّ لوجود هذه الأشياء حاجةٌ إلى الربيع
، فأسند الفِعلَ إليه على هذا التأول و التنزيل .
و هذا الضرب من
المجاز كثير في القرآن ، فمنه قوله تعالى :( تُؤْتِي
أُكُلَهَا كُلَّ حِـين بِإذْنِ رَبِّهَا ) [ سورة :
إبراهيم 25]، و قوله عزَّ اسمه :
( وَ إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ) [ سورة
الأنفال : 2 ] ، و في
الأخرى : ( فَمِنْكُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا ) [ سورة التوبة : 124 ] وقوله : ( وَ أَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ) [ سورة
الزلزلة : 2 ] ، و قوله
عزّ
وجل : (حَتَّى
إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) [ سورة الأعراف : 57 ] = أثبتَ الفعلَ في جميع ذلك لما لا يثبُت له فعلٌ إذا رجعنا إلى
المعقول ، على معنى السَّبب. و إلا فمعلوم أن النخلة ليست تُحدث الأُكُل ، و لا
الآياتُ توجد العلم في قلب السامع لها ، و لا الأرض تخرج الكامن في بطنها من الأثقال
، ولكن إذا حدثت فيها الحركة بقدرة الله ، ظهر ما كُنِزَ فيها و أُودِع جوفَها .
و إذا ثبت ذلك ،
فالمبطِل و الكاذبُ لا يتأوَّل في إخراج الحكم عن موضعه و إعطائه غير المستحق ، و
لا يشبِّه كون المقصود سببا بكَون الفاعل فاعلا ، بل يُثبت القضيةَ من غير أن ينظر
فيها من شيء إلى شيء ، و يردَّ فرعا إلى أصل ، و تراه أعمى أكمه يظنّ ما لا يصحُّ
، و ما لا يثبُت ثابتا ، و ما ليس في موضعه من الحكم موضوعا
موضعه . و هكذا المتعِّمد للكذب يدّعي أن الأمر
على ما وضعه تلبيسًا و تمويهًا ، و ليس هو التأوُّل في شيء .
[
أسرار البلاغة ، عبد القاهر الجرجاني ، ص :385 ـ 386]
التمرين
5 : حلل
(ي) النص تحليلا بلاغيا
1) الطرح الإشكالي :
يتناول هذا النص قضية إشكالية تتعلق
بالمجاز و الكذب ، فما هي ضوابط المجاز و مجالاته ؟ وما هي ضوابط الكذب و نتائجه ؟
2) المصطلح البلاغي :
المجاز :
كل جملة أخرجت الحكم المفاد بها عن موضعه من العقل لضرب من التأول .
التأويل : الإنتقال
من المعنى الظاهر إلى المعنى الخفي بقرينة عندما يتعذر الأخذ بظاهر الكلام .
الوضع : المعنى
الذي وضع للفظة أول مرة ( المعنى المعجمي ) .
3) الشواهد البلاغية :
قوله تعالى : ( تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِـين بِإذْنِ رَبِّهَا ) [ سورة :
إبراهيم 25]
وقوله: ( وَ إِذَا
تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ) [ سورة
الأنفال : 2 ]
وقوله :( فَمِنْكُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا ) [ سورة التوبة : 124 ]
وقوله : ( وَ
أَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ) [ سورة
الزلزلة : 2 ]
وقوله : (حَتَّى
إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) [ سورة الأعراف : 57 ].
كل هذه الأفعال التي
وردت في الآيات الكريمة أثبتت لغير فاعليها الحقيقيين ، و مردها إلى قدرة القادر
سبحانه و تعالى ، و إنما ردت إلى غير فاعليها مجازا .
و للوصول إلى المعنى
المراد ينبغي التأويل و حمل الكلام على غير ظاهره . فالمجاز يقوم على إسناد الفعل
إلى غير ما هو له فينبغي حمل اللفظ على غير ما وضع له بواسطة التأويل .
4) القضايا البلاغية :
أ) المجاز : ضوابطه ومجالاته
يرى الجرجاني أن
المجاز هو كل جملة أخرجت الحكم المفاد بها عن موضعه
من العقل لضرب من التأول ؛ نفهم من هذا أن المجاز له ضوابط أساسية يقوم عليها ،
أما الأول: فهو استعمال لفظ في غير ما وضع له في أصل اللغة الذي يقوم على الإسناد
، و أماالثاني : حمل هذا الكلام المجازي على غير ظاهره ، و الثالت : أنه يرتبط
بالتأويل . فبهذه الضوابط تتحقق طريقة
تأدية المعنى على وجه أصح ، و يتقرر في ذهن المتلقي الذي شارك بدوره في
اكتشاف المعنى الحقيقي .
ب) الكذب
: ضوابطه و نتائجه
نفهم أن الكذب عند
الجرجاني هو الحكم على الكلام من ظاهره من غير تأول ، و هذا يفضى بالمبطل إلى
الوقوع في الغلط ؛ حيث يثبت قضية من غير
أن ينظر فيها من شيء إلى شيء ، و يرد فرعا إلى أصل ، و يصفه الجرجاني بالأكمه و
الأعمى ، لأنه لا يُعمل ذهنه لإكتشاف المعنى المراد تبليغه .
5) خلاصة
تركيبية :
نخلص من خلال هذا النص إلى أن المجاز ليس كذبا . و إنما هو حقيقة أبلغ
في إيصال المعنى ، ويتحقق ذلك بحمل اللفظ على غير ظاهره لضرب من التأول بواسطة قرينة مانعة من إرادة
المعنى الوضعي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق