السبت، 23 يوليو 2016

بلاغة الصورة ( تمـــــــــارين و حلـــــــــول ) رقم(3)



جامع القاضي عياض 
مسلك الدراسات العربية-  الفصل : الرابـــــــــع
كلية اللغة العربية - مراكش
الأستاذ : أحمد قــادم 
السنة الجامعية 2015-2016
                                                                                    
       

النص : 3

يقول الجرجاني :
ولا يتخلّص لك الفصل بين الباطل و بين المجاز ، حتى تعرف حدّ المجاز ، و حدُّه : أنَّ كلّ جملة أخرجتَ الحكم المُفَادَ بها عن موضعه من العقل لضربٍ من التأول، فهي مجـاز .
و مثاله ما مضى من قولهم : (( فَعَلَ الربيع )) ، و كما جاء في الخبر(( إٍنَّ ممَّا يُنبِتُ الربيعُ ما يقْتلُ حَبَطًا أو يُلِمُّ )) ، قد أثبت الإنبات للربيع ، و ذلك خارج عن موضعه من العقل ، لأن إثبات الفعل لغير القادر لا يصحُّ في قضايا العقول ، ألاّ أنّ ذلك على سبيل التأوُّل، و على العُرف الجاري بين الناس ، أن يجعلوا الشيء ، إذا كان سببا أو كالسبب في وجود الفعل من فاعله ، كأنه فاعل . فلما أجرى الله سبحانه العادة و أنفذَ القضية أن تُورق الأشجارُ ،و تظهر الأنوار ، و تلبس الأرض ثوب شبابها في زمان الربيع ، صار يُتوهَّم في ظاهر الأمر و مجرى العادة ، كأنّ لوجود هذه الأشياء حاجةٌ إلى الربيع ، فأسند الفِعلَ إليه على هذا التأول و التنزيل .

و هذا الضرب من المجاز كثير في القرآن ، فمنه قوله تعالى :( تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِـين بِإذْنِ رَبِّهَا ) [ سورة : إبراهيم 25]، و قوله عزَّ اسمه : ( وَ إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ) [ سورة الأنفال : 2 ] ، و في الأخرى : ( فَمِنْكُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا ) [ سورة التوبة : 124 ] وقوله : ( وَ أَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ) [ سورة الزلزلة : 2 ] ، و قوله عزّ
وجل : (حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) [ سورة الأعراف : 57 ] = أثبتَ الفعلَ في جميع ذلك لما لا يثبُت له فعلٌ إذا رجعنا إلى المعقول ، على معنى السَّبب. و إلا فمعلوم أن النخلة ليست تُحدث الأُكُل ، و لا الآياتُ توجد العلم في قلب السامع لها ، و لا الأرض تخرج الكامن في بطنها من الأثقال ، ولكن إذا حدثت فيها الحركة بقدرة الله ، ظهر ما كُنِزَ فيها و أُودِع جوفَها .
و إذا ثبت ذلك ، فالمبطِل و الكاذبُ لا يتأوَّل في إخراج الحكم عن موضعه و إعطائه غير المستحق ، و لا يشبِّه كون المقصود سببا بكَون الفاعل فاعلا ، بل يُثبت القضيةَ من غير أن ينظر فيها من شيء إلى شيء ، و يردَّ فرعا إلى أصل ، و تراه أعمى أكمه يظنّ ما لا يصحُّ ، و ما لا يثبُت ثابتا ، و ما ليس في موضعه من الحكم موضوعا
 موضعه . و هكذا المتعِّمد للكذب يدّعي أن الأمر على ما وضعه تلبيسًا و تمويهًا ، و ليس هو التأوُّل في شيء .
                                                                                            [ أسرار البلاغة ، عبد القاهر الجرجاني ، ص :385 ـ  386]
 التمرين 5 : حلل (ي) النص تحليلا بلاغيا

1) الطرح الإشكالي :
يتناول هذا النص قضية إشكالية تتعلق بالمجاز و الكذب ، فما هي ضوابط المجاز و مجالاته ؟ وما هي ضوابط الكذب و نتائجه ؟

2) المصطلح البلاغي :
المجاز : كل جملة أخرجت الحكم المفاد بها عن موضعه من العقل لضرب من التأول .
التأويل : الإنتقال من المعنى الظاهر إلى المعنى الخفي بقرينة عندما يتعذر الأخذ بظاهر الكلام .
الوضع : المعنى الذي وضع للفظة أول مرة ( المعنى المعجمي ) .

3) الشواهد البلاغية :
 قوله تعالى : ( تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِـين بِإذْنِ رَبِّهَا ) [ سورة : إبراهيم 25]
 وقوله: ( وَ إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ) [ سورة الأنفال : 2 ]
  وقوله :( فَمِنْكُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا ) [ سورة التوبة : 124 ]
 وقوله : ( وَ أَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ) [ سورة الزلزلة : 2 ]
 وقوله : (حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) [ سورة الأعراف : 57 ].
كل هذه الأفعال التي وردت في الآيات الكريمة أثبتت لغير فاعليها الحقيقيين ، و مردها إلى قدرة القادر سبحانه و تعالى ، و إنما ردت إلى غير فاعليها مجازا .
و للوصول إلى المعنى المراد ينبغي التأويل و حمل الكلام على غير ظاهره . فالمجاز يقوم على إسناد الفعل إلى غير ما هو له فينبغي حمل اللفظ على غير ما وضع له بواسطة التأويل .

 4) القضايا البلاغية :
 أ) المجاز : ضوابطه ومجالاته
يرى الجرجاني أن المجاز هو كل جملة أخرجت الحكم المفاد بها عن موضعه من العقل لضرب من التأول ؛ نفهم من هذا أن المجاز له ضوابط أساسية يقوم عليها ، أما الأول: فهو استعمال لفظ في غير ما وضع له في أصل اللغة الذي يقوم على الإسناد ، و أماالثاني : حمل هذا الكلام المجازي على غير ظاهره ، و الثالت : أنه يرتبط بالتأويل . فبهذه الضوابط تتحقق طريقة  تأدية المعنى على وجه أصح ، و يتقرر في ذهن المتلقي الذي شارك بدوره في اكتشاف المعنى الحقيقي  .
ب) الكذب : ضوابطه و نتائجه
نفهم أن الكذب عند الجرجاني هو الحكم على الكلام من ظاهره من غير تأول ، و هذا يفضى بالمبطل إلى الوقوع في الغلط ؛ حيث يثبت قضية  من غير أن ينظر فيها من شيء إلى شيء ، و يرد فرعا إلى أصل ، و يصفه الجرجاني بالأكمه و الأعمى ، لأنه لا يُعمل ذهنه لإكتشاف المعنى المراد تبليغه .
5) خلاصة تركيبية :
نخلص من خلال هذا النص إلى أن المجاز ليس كذبا . و إنما هو حقيقة أبلغ في إيصال المعنى ، ويتحقق ذلك بحمل اللفظ على غير ظاهره  لضرب من التأول بواسطة قرينة مانعة من إرادة المعنى الوضعي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق