السبت، 23 يوليو 2016

النـهــي




وهو طلب الكف عن الفعل على جهة الاستعلاء والإلزام. وله صيغة واحدة هي المضارع المقرون بلا الناهية الجازمة.
نحو قوله تعالى: ﴿ولاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا([1]). وقوله عز وجل:﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ([2]).
المعاني البلاغية للنهي:
ولأسلوب النهي معان أخرى يفيدها، ويخرج بها عن معناه الأصلي الذي هو الكف عن الفعل.
ومنها:
أ-الدعـاء: عندما تكون الصياغة صادرة من الأدنى إلى الأعلى.

كما في قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا([3]). فالمقام مقام ضراعة وإذعان، والابتهال إلى الله تعالى بهذا الأسلوب على سبيل التضرع والتذلل، فالمقصود منه الدعاء، والتعبير بصيغة النهي في مقام الدعاء هو بيان للرغبة الشديدة في الرحمة والغفران الإلهيين، وشدة الحرص على أن يحقق الله الدعاء بالإجابة.
ب-الالتمـاس: إذا كان النهي من المساوي والند، دون استعلاء ولا إذعان. ومنه قوله تعالى: ﴿قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي([4]). فالنهي في قوله "لا تأخذ" يراد به الالتماس لأنه ليس في استعلاء ولا إلزام. وقول المتنبي: [الطويل]
فَلا تُبلِغاهُ ما أَقولُُ فَإِنَّهُ


شُجاعٌ مَتى يُذكَرْ لَهُ الطَعنُ يَشتَقِ

فالشاعر يلتمس من صاحبيه كتم ما يقوله في شجاعة الممدوح حتى لا يشتاق إلى الطعن، والتعبير بالنهي في مقام الالتماس فيه حرص على الرغبة في الكتمان، ولكنه أيضا تهويل وتفخيم لشجاعة الممدوح.
ج-التمنـي: ومنه قول الشاعر: [مجزوء الرجز]
يا ليل طُل يا نوم زُل


يا صبحُ قف لا تطلُعِ

 فهو يتمنى طول الليل ليطيل السهر. ووقوف الصبح، وعدم طلوعه من المحال. لكن الشاعر عبر عن رغبته الشديدة في ذلك. ومنه قول الشاعر: [المتقارب]
ويا ليلة الأنس لا تنقضي


فإن الحبيب علينا رَضِيْ

د-التهديـد: وهو طلب يحمل في طيه الإنذار والوعيد، كقول الوالد لولده: "لا تصل الجمعة مع الجماعة" وقول الرئيس لمرؤوسيه: "لا تطيعوا أمري".
هـ-التحقيـر والإهانـة: ومنه قوله تعالى: ﴿قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ ([5]).
فالأمر والنهي هنا يحملان معنى الإهانة والتحقير لقوم ضالين تمنوا يوم القيامة أن يخرجوا من جهنم. ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ([6]).
فكانت تلك الإهانة في معنى قوله تعالى: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ.

ومن التحقير قول الحطيئة([7]) في هجاء الزبرقان: [البسيط]
دَعِ المَكَارِمَ لا تَرحَل لِبُغيَتِها


وَاقـعُد فَإِنَّكَ أَنتَ الطاعِمُ الكاسي

ففي الأمر والنهي هنا تحقير للمخاطب إذ أقصي من أصحاب المكارم والمعالي.
و-النصح والإرشاد أو التوبيـخ: قد يحمل النهي معنى النصح والإرشاد حسب السياق. وقد يكون له معنى التوبيخ أيضا إذا أريد به. ومن ذلك قول الشاعر: [الكامل]
لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتيَ مِثلَهُُ


عارٌ عَلَيكَ إِذا فَعَلتَ عَظيمُ

  فالنهي في هذا البيت يحمل معاني النصح والإرشاد والتوبيخ.


([1])- سورة الأعراف، الآية 56.
([2])- سورة الإسراء، الآية 31.
([3])- سورة البقرة، الآية 286.
([4])- سورة طه، الآية 94.
([5])- سورة المؤمنون، الآية 108.
([6])- سورة المؤمنون، الآية 107.
([7])- الحطيئة (45هـ) جرول بن أوس بن مالك العبسي، أبو مليكة. شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام. كان هجاءا عنيفا، لم يكد يسلم من لسانه أحد، وهجا أمه وأباه ونفسه. وأكثر من هجاء الزبرقان بن بدر، فشكاه إلى عمر بن الخطاب، فسجنه عمر بالمدينة، فاستعطفه بأبيات، فأخرجه ونهاه عن هجاء الناس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق